لا يقدر النعمة إلا فاقدها .. ولا يستشعرها إلا محرومها .. وهذا ما حصل معي ..
تبدأ القصة يا كرام منذ ثلاث سنوات فقدت في بدايتها حاسة الشم وماكنت قبلا مدركة عظمها وكثيرون مثلي ..
وأن تفقد حاسة من حواسك الخمس فذلك يعني أنك معاق لك اسم يصف اعاقتك ففاقد البصر كفيف وفاقد السمع أصم وفاقد القدرة على الحركة قعيد أما فاقد الشم فلم يعبأ أحد بوضع مصطلح خاص به إما تهميشاً لهذه الحاسة أو لظنهم أن فاقدها لا يتأثلا كثيراً بفقدها رغم أن فقدها يعني أن تعيش الحياة بلا طعم أو رائحة وكذلك فقد البصر يعني أن تعيش الحياة بلا ضوء أو لون وفقد السمع يعني أن تعيشها بلا صوت فلماذا يهمش فاقدو الشم لهذه الدرجة لست أدري..
ولكني ومنذ فقدتها مازلت أبحث عن اسم مناسب لفاقدها وما أثمر بحثي بشيء ..فمن يجد في ذهنه اسماً مناسباً حاضراً فليعجل به إلي ..
ولكي تكونوا أكثر إحاطةً بما يعانيه المشموم-والمشموم لفظ أستخدمه لفاقد الشم إلى أن يتيسر لي اسم آخر- يجب أن تعلموا الأضرار الجسدية والنفسية التي يتعرض لها ..
ففقدان الشم طريق إلى فقدان الشهية والذي قد ينتج عنه ضعف عام في بنية الجسم ونقص في التغذية وإذا تطور الأمر فقد يصاب المسكين بفقر الدم والله وحده يعلم إلى أين سينتهي الحال به..!
وتخيل فقط بالله عليك أن تأكل الطعام فقط لأنك جائع لا لأنك تشتهيه وكيف لك أن تشتهي الطعام والرائحة هي المرتكز الأساس لجلب شهوة الأكل فلا رائحة تشتهي بها ولا ذوق تستطعم به.. وصدقاً أقول أني ما طبقت مقولة : نحن قوم لا نأكل حتى نجوع وإذا أكلنا لا نشبع إلا عند فقدي لحاسة الشم ..ورب ضارة نافعة ..!
والطريف في ذلك كله أن الناس من حولي ما اعتادوا علي في تلك الثلاث سنوات فلا تكاد تمر منسابة للشم إلا وأستشار فيها .. ما رأيك برائحة هذا العطر .. هل تشمين رائحة الغاز .. هنالك رائحة حريق أليس كذلك … وووو وأنا في كل مرة لا أزيد على سؤالهم سوى بابتسامة يفهمون منها أني وحق الذي خلق الحواس كلها لااااااا أشم فيسترجعون معتذرين آسفين فأرد لهم أسفهم بابتسامة أخرى هي أعرض بقليل من التي سبقتها ..
هذا كان حالي منذ ثلاث سنوات وإلى ما قبل أسبوعين فقط إنسان بأربع حواس وحسب .. أما الآن فالحال قد تغير والوضع قد اختلف وماعدت ذلك الإنسان أبا الأربع حواس بل رزقت بفضل الله وكرمه الحاسة الخامسة فأصبحت ذلك الإنسان أبا الخمس حواس … اللهم لك الحمد …
وأنا أكتب الآن لكم بحواسي كلها وبكامل قواي العقلية - أو هكذا أظن - ومازلت منذ استعدت حاستي الحبيبة أشكر الله على أن عرفني قيمة نعمه علي ومازلت أيضاً أقبل على الطعام بشهية أخاف أن تستمر معي أكثر من ذلك فأتحسر على أيامي السابقة ..
فاشكروا الله عباد الله على نعمه ما علمتم حقيقة قدرها وما لم تعلموا .. ورب أمر تكونون فيه لا تلقون له بالا تعلمون عظمه حال فقده .. فاللهم عرفنا نعمك علينا بدوامها لا بزوالها يارب العالمين … كل الأمنيات لكم بدوام حواسكم …